الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة يطلق امرأته واحدة ثم إنها أعطته عشرة دنانير ألا رجعة له عليها: قال محمد بن رشد: أما إذا أعطته عشرة دنانير على ألا رجعة له عليها كما قال هاهنا، فهو خلع يقع عليها به تطليقة أخرى، واختلف إذا أعطته ذلك على ألا يرتجعها، فقال ابن القاسم في رسم إن خرجت، من سماع عيسى: إن ذلك أيضا خلع، يقع به عليه تطليقة أخرى، ولم يفرق بين أن يكون قد قبض العشرة أو لم يقبضها، وقال أشهب في سماع زونان: إنه إن شاء راجعها، فإن راجعها رد عليها العشرة، أي تركها لها، ولم يأخذ منها، ويحتمل أن يتأول قول ابن القاسم، على أنه قد قبض العشرة، فلا يكون ذلك اختلافا من القول، وبالله التوفيق. .مسألة خالع الرجل امرأته على أن يعجل لها بعض دين لها عليه قبل محله: قال مالك: إذا خالع الرجل امرأته على أن يعجل لها بعض دين لها عليه قبل محله، على أن تضع عنه ما بقي عليه من ذلك الدين، قال مالك: لا يجوز لأحد أن يعمل هذا، فإن جهل ذلك حتى يقع الفراق عليه، جاز الطلاق، وجازت الوضيعة، ويرد المال إلى أجله الذي كان إليه، وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم في كتاب الجلوس، قال ابن القاسم: إذا كان لامرأة على زوجها عشرون دينارا إلى أجل، فقالت له: طلقني ولك العشرة، وعجل لي العشرة ففعل؛ أنه يمضي الطلاق عليها والوضيعة، وترد العشرة إلى أجلها. قال محمد بن رشد: اعترض أبو إسحاق هذه المسألة، إذ لم يجعل ما حطت من دينها مفضوضا على خلع مثله، وما يمكن أن يعطى للتعجيل، ووجه الرواية أنها إنما خالعها بما وضعت، وشرطها في خلعها تعجيل بقية حقها، فوجب أن ينفذ الخلع ويبطل الشرط؛ لأنه إذا وجب أن يبطل اشتراطها عليه ترك التزويج على ما مضى في أول رسم سعد الأول، لما فيه من تحريم ما أحل الله، فأحرى أن يبطل هذا الشرط، لما فيه من تحليل ما حرم الله. وفي كتاب محمد بن المواز: ومن تزوج بعشرة نقدا، وعشرين إلى أجل، فصالحته قبل البنا، وقبل النقد على أن عجل لها العشرة النقد، وأسقطت العشرين، يجز ذلك، وأجاز الطلاق وترد إليه الخمسة، تأخذها منه إذا حل الأجل، وكذلك لو صالحته على أكثر من الخمسة، إلى ما دون الخمسة عشر، ترد ما زاد على الخمسة، فتأخذ ذلك عند الأجل، ولو صالحته على خمسة فأقل أو على خمسة عشر فأكثر؛ لجاز ذلك، هذا معنى قوله دون لفظه، وهو على قياس هذه الرواية؛ لأن الفراق يوجب لها خمسة نقدا، وعشرة إلى أجل، فتلزمها الوضيعة، ويسقط عنها التعجيل، واعترضها أيضا أبو إسحاق التونسي بما تقدم في اعتراضه للمسألة الأولى، ولو كان الدين للزوج على المرأة فخالعته على أن عجلت له بعض دينه، وأسقط عنها بقيته لمضى الطلاق، ورد إليها ما عجلت له واتبعها بجميع دينه، ولا اختلاف في هذا ولا اعتراض؛ لأن الوضيعة والبضع صارا ثمنا للتعجيل، فوجب أن تبطل الوضيعة إن كانت عوضا للتعجيل، ولم تكن عوضا للخلع. .مسألة تختلع من زوجها وهما في سفر ويشترطان: وسئل عن المرأة تختلع من زوجها، وهما في سفر، ويشترطان في سفرهما خلعهما، إن مات الرجل قبل أن يبلغ بلده رد عليها فيموت الزوج قبل أن يبلغ بلده. قال مالك: خلعهما جائز، وما اشترطت من شرط من هذا النحو وما أشبهه فهو باطل، إذا كان الخلع قد ثبت بينهما. قال محمد بن رشد: رأى الخلع جائزا، والشرط باطل على أصله في مسألة رسم سعد الأول، والذي قبل هذا، وقد مضى من التكلم في الرسمين ما فيه بيان هذه المسألة، وبالله التوفيق. .مسألة أمة افتدت من زوجها بشيء من مالها ففارقها، فأنكر ذلك سيدها: قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وهو مما لا اختلاف فيه أن الأمة لا تجوز مخالعتها إلا بإذن سيدها، وإن كانت مأذونا لها في التجارة؛ لأن الخلع ليس من التجارة التي أذن لها فيها، إذ لا يملك بها مالا، وإنما يملك بها تخليصها من الزوج وراحتها منه، وكذلك المكاتبة وأم الولد، واختلف في المديانة، هل يجوز مخالعتها، دون إذن الغرماء أم لا؟ على قولين: أحدهما: أن ذلك قياسا على النكاح، والثاني: أن ذلك ليس لها، بخلاف النكاح؛ لأن النكاح مما تدعو إليه الضرورة كالطعام والشراب، فقد دخل الغرماء معها على ذلك، والخلع وإن كانت الضرورة قد تدعو المرأة إليه، فلم يدخل معها الغرماء على ذلك، إذ لا يقع إلا نادرا. والحمد لله وحده. .مسألة أمة كانت تحت عبد فقالت إن عتقت وأنا تحت هذا العبد فأشهدكم أني اخترت نفسي: قال محمد بن رشد: علل مالك رَحِمَهُ اللَّهُ أن ذلك لا يلزمها بوجهين: أحدهما: أنها تحصل مطلقة إلى أجل قد يأتي، وقد لا يأتي بغير اختيار زوجها ولا إرادته. وذلك مخالف للأصول. والثاني: أن ذلك مخالف لعمل الماضين، ومن قول مالك: إن من شرط لزوجته أن تزوج عليها وما أشبه ذلك فأمرها بيدها، فقالت: أشهدكم أنه إن تزوج علي فقد اخترت نفسي، أو قد اخترت زوجي، إن ذلك لازم لها، ففرق بين المسألتين. وهذه المسألة هي التي يحكى أن ابن الماجشون، سأل مالك عن الفرق فيها بين الحرة والأمة، فقال له: أتعرف دار قدامة؟ وكانت دار يلعب فيها بالحمام، معرضا له بقلة التحصيل فيما سأل عنه، وموبخا له على ترك إعمال نظره في ذلك، حتى لا يسأل إلا سؤالا مستقيما في أمر مشكل، وهذا من نحو قوله لابن القاسم في شيء سأله عنه: أنت حتى الساعة هاهنا تسأل عن مثل هذا. ولعمري إن مثل ابن الماجشون في فهمه وجلالة قدره لحري أن يوبخ على مثل هذا السؤال؛ لأن مالكا لم يفرق بين الحرة والأمة كما قال، وإنما فرق بين خيار أوجبه الله بالشرع على لسان نبيه للزوجات، إلا ما على أزواجهن العبيد، بشرط عتقهن بغير اختيار أزواجهن، وبين خيار شرطه الزوج باختياره لزوجته، حرة كانت أو أمة. والفرق بينهما، أن ما خير الله تعالى عباده فيه على شرط، وجعله شرعا مشروعا، فليس لأحد أن يسقط ما أوجبه الله له من الخيار في ذلك قبل أن يجب له بحصول الشرط، ويوجب على نفسه، أحد الأمرين: من الأخذ أو الترك؛ لأنه إذا فعل ذلك صار مبطلا للشرع الذي شرعه لعباده في حقه، وذلك ما لا يجوز ولا يلزم من فعله، ألا ترى لو أن رجلا غنيا قال: أشهدكم أني إن افتقرت، فلا آخذ من الصدقات التي أباحها الله للفقراء شيئا، وإن افتقرت فأنا آخذ منها ما أوجبه الله لي من الحق فيها، ثم افتقر، ثم يحرم عليه الأخذ إن أراد أن يأخذ، ولا لزمه الأخذ إن أراد ألا يأخذ، وكان مخيرا بين الأخذ والترك على حكم الله تبارك وتعالى في الشرع، وما أوجبه الله للزوج لزوجته على نفسه من الخيار في نفسها بشرط، بخلاف ذلك، يجب إذا اختارت نفسها أو زوجها قبل حصول الشرط، بشرط حصوله إن لم يلزمها ذلك؛ لأنها إن اختارت زوجها فهو حق لها تركته، إذ لا يلزمها قبول ما أعطاها زوجها، وإن اختارت نفسها جاز ذلك عليها وعلى زوجها، ولم يكن لواحد منهما في ذلك رجوع؛ لأنه طلاق وقع على صفة يلزم بحصولها، إذ لا فرق أن يقول الرجل لامرأته: أنت طالق إن كان كذا وكذا، أو تقول هي إذا ملكها الطلاق بشرط: أنا طالق إن كان كذا وكذا؛ لذلك الشرط، وهو أبين، والحمد لله، وبه التوفيق. .مسألة يقول لامرأته قد وليتك أمرك إن شاء الله: وسئل عن رجل يقول لامرأته: قد وليتك أمرك إن شاء الله، فتقول هي: قد فارقتك إن شاء الله. فقال: فقد فارقها في رأيي. فقال له: يا أبا عبد الله، لأن تقطع يدي من جسدي أحب إلي من أن أفارقها، وما أردت بذلك طلاقا، وما كان الذي كان مني ومنها إلا لعبا لا نريد به طلاقا، فقال: إن كان الله يعلم أنك لم ترد بقولك ذلك طلاقا، وأنه كان منك على وجه اللعب لا تريد به طلاقا، فلا أرى عليك شيئا. وإن كنت إنما أردت به طلاقا، وإن كنت لاعبا، فهو الطلاق. ثم قال له: أتقول امرأتك مثل مقالتك أنها لم ترد طلاقا؟ قال: نعم. وقد أقمنا بعد هذه المقالة، أربعة أشهر أصيبها، لا نرى أن الذي وقعنا فيه شيئا. فقال: قال لها: أمرك بيدك إن شاء الله، لا يريد بذلك طلاقا على وجه اللعب والمداعبة، فقالت: قد فارقتك إن شاء الله لاعبين لا يريدان بذلك طلاقا، لا أرى عليك شيئا إلا يمينك بالله الذي لا إله إلا هو، ما أردت بذلك طلاقا، وما كنت إلا لاعبا، فلما رجع من الغد رجع إليه الأعرابي فقال: ما أرى عليك شيئا إلا أن تحلف بالله ما أردت بذلك طلاقا. قال محمد بن رشد: قال مالك في هذه المسألة أولا فارقها في رأيي؛ لأنه إفصاح منه بالتمليك، وإفصاح منها بالفراق، لا تأثير للاستثناء بمشيئة الله في ذلك لواحد منهما، كما لا تأثير للاستثناء بمشيئته تعالى في مجرد الطلاق، فلما أخبره أنهما لم يريدا بذلك الطلاق، وأنه إنما كان ذلك منها على وجه اللعب، سأله هل تقر له امرأته بذلك فيدين، أو لا تقر له بذلك، وتدعي الطلاق بما ظهر من قوله وقولها فلا يصدق؟ فلما أخبره أنها تقول مثل مقالته، قال له: لا أرى عليك شيئا، وذلك صحيح على أصولهم فيمن ادعى نية مخالفة لظاهر قوله، وأتى مستفتيا، أنه ينوى فيما ادعاه، ولا يمين عليه. وقوله في آخر المسألة: لا أرى عليك إلا اليمين، معناه إن طالبه أحد باليمين، وقوله: إن كنت أردت بذلك طلاقا، وإن كنت لاعبا فهو الطلاق، صحيح على قولهم في أن الطلاق هزله جد. من ذلك ما وقع في أثر المدونة وغيرها. وقول أصبغ في نوازله من كتاب الأيمان بالطلاق، والله الموفق. .مسألة المسلم يزوج عبده النصراني أمته النصرانية ثم يعتقها: قال محمد بن رشد: وهذا كله كما قال؛ لأنهما وإن كانا نصرانيين فسيدهما مسلم، وله حق في اختيارها نفسها؛ لأنه يصل بذلك إلى وطء الأمة، ويتفرغ العبد لمنافعه، وقد مضى هذا في أول سماع عيسى، من كتاب طلاق السنة، وبالله التوفيق. .مسألة قال لامرأته حرمت علي إن لم تقومي عني فلا ترجعي إلي إلا أن أشاء: وإنما يستدل على أنك قد شئت أن تأتيك إذا دعوتها تأتيك؛ لأنك قد شئت بقلبك أن تأتيك، ليس يطلق الرجل بقلبه، ولا ينكح الرجل بقلبه. وإنما الدليل على مشيئتك إذا قلت ذلك لها؛ أرأيت لو أنها أولا قالت له: آتيك، فقال لها: لا، وهو إن يشأ أن تأتيه بقلبه، فجاء، فجاءته ولم تنظر إلى قوله، أكان ذلك يخرجه من يمينه؟ لا ما ينفعه ذلك، ولا يطلق الرجل بقلبه، ولا يستدل على مشيئته إلا بإذنه أن يدعوها، فإذا دعاها فلا شيء عليه، وإن كان لا يشاء أن تأتيه. قال مالك للذي قال لامرأته: أنت علي حرام إن لم تقومي، فلا ترجعي إلي حتى أشاء ذلك، فقامت ثم استأذنته غير مرة أن ترجع، فيقول: لا، ثم قال تعالي إن شئت، وهو لا يشاء بقلبه، أو تأتيه، فقال لها بعد أن قامت، مكانك لا تأتي، ثم خرج ودخل، ثم شاء أن تأتيه بقلبه، ثم جاءته قبل أن يدعوها وقبل أن يأذن لها، فقال له: من أين علمت حين دخلت أنك قد شئت بقلبك أن تأتيك؟ أرى إن كنت نويت حتى تشاء ذلك بقلبك، تنوي مشيئتك، لا ينوي لسانك في شيء من ذلك أن ليس شيء، وأنه ليأخذ بقلبي في قولك لها أولا: تعالي إن شئت، ثم قلت لها: لا تأتي، أنه ليأخذ بقلبي أنه إذن وما أدري. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن يمين الحالف على امرأته لا ترجع إلا أن يشاء، محمولة على أنه أراد ألا ترجع إلا أن يأذن لها في الرجوع، إذ لا يستدل على ما في قلبه إلا بقوله، فإذا أذن لها في الرجوع فرجعت، وإن كان لا يشاء رجوعها بقلبه، وإذا رجعت بغير أن يأذن لها فهو حانث، وإن كان قد شاء رجوعها بقلبه إلا أن ينوي في ذلك كله مشيئته بقلبه، دون الإذن لها بلسانه فتكون له نيته، ولا يحنث إن جاءته دون أن يأذن لها إذا كان قد شاء ذلك بقلبه، ويحنث إن جاءت وقد أذن لها إذا كان لا يشاء ذلك بقلبه، هذا معنى ما ذهب إليه في الرواية، وتوقف إذا أذن لها، ثم رجع عن الإذن قبل أن تأتي، فقال لها: لا تأتي، فأتت على الإذن المتقدم، فقال أولا: إنه يحنث، وأن رجوعه عنه يسقطه، ثم قال: إنه ليأخذ بقلبي أنه إذن يريد أنه إذن لا يسقطه رجوعه عنه. وجه القول الأول مراعاة المعنى دون اللفظ؛ لأن المعنى في يمين الحالف بمثل هذا على زوجته ألا تعصي قوله، وتخالف أمره. ووجه القول الثاني مراعاة اللفظ دون المعنى؛ لأنه إذا حلف عليها ألا ترجع حتى يأذن لها، فأذن لها أن تأتيه، ثم نهاها عن الإتيان، كان لها أن تأتيه ولا يحنث؛ لأنه ما أتته إلا بعد أن أذن لها. وقوله: ليس يطلق الرجل بقلبه، ولا ينكح الرجل بقلبه، ظاهره خلاف ما في سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، فيمن أجمع في نفسه على طلاق امرأته، حتى يكون قد طلقها بقلبه، ولم ينطق بذلك لسانه: أنها طالق، وعلى ذلك كان الشيوخ يحملونه. والصواب أن ذلك ليس بخلاف له، وأن معنى قوله ليس يطلق الرجل بقلبه، ولا ينكح الرجل بقلبه، أي ليس من شأن الناس وعادتهم أن يفعلوا ذلك، إذ لا تأثير له في الحكم الظاهر، وهو مثل قوله في مسألة سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، وما هذا بوجه الطلاق؛ لأن الصحيح أن من أجمع على الطلاق بقلبه في نفسه، على أنه قد طلق امرأته، وقال في قلبه: إنها طالق، فهي طالق، فيما بينه وبين الله في الباطن، وإن أبدى ذلك لها بكلامه، أو بكتابة، أو بإشارة يفهم بها ما في نفسه، حكمنا عليه بذلك؛ لأن الكلام والكتاب إنما هو عبارة عما في النفس من ذلك، والحمد لله. .مسألة قال لامرأته وهو يلاعبها أمرك بيدك: قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن البينة قامت على ذلك، فلم يصدق الرجل على ما ادعاه من أنه لم يرد بذلك الطلاق، وإن قالت امرأته مثل مقالته، ويقال له طلاق البتات لك لازم بقول امرأتك بعد أن كلمتها، ملكتها، قد تركتك، أو قد ودعتك؛ لأن هذا القول منها محمول على الثلاث، إلا أن تحلف ما أردت واحدة، وما أردت الطلاق، لابد لك من اليمين على أحد هذين الوجهين. هذا معنى قوله في هذه الرواية، ولا يسوغ له فيما بينه وبين الله أن يحلف أنه ما أراد إلا واحدة إن كان لم يرد الطلاق، ولكنه يمكن من ذلك، ويحمل منه ما يحمل، وهذا على القول بأن النية تقبل منه بعد أن أنكر أن يكون أراد الطلاق، وأما على القول بأن النية لا تقبل منه، وهو أحد قولي مالك، واختيار أصبغ، على ما مضى له في رسم كتب عليه ذكر حق، من سماع ابن القاسم. فإن أقام على قوله: إنه لم يرد الطلاق، حلف على ذلك، وكانت واحدة، وإن رجع، وقال: بل أردت واحدة، لم يمكن من اليمين، وكانت ثلاثا على ما دل عليه ما قضت به، وقد مضى في رسم كتب عليه، من سماع ابن القاسم في هذا المعنى زيادة، وتفسير مما قلناه هاهنا. ولو أتى مستفتيا ولم تقم على أمرهما بينة، لصدق أنه لم يرد بذلك الطلاق، ولم يكن عليه شيء على ما مضى في أول السماع، وبالله التوفيق. .مسألة خالع امرأته بشيء أعطته إياه وشرط عليها: أرأيت ذلك كله لها إذا أصابها؟ فقال: نعم، كان ذلك أقل من صداق مثلها أو أكثر، قد يتزوج الرجل المرأة فيدخل بها، ثم يعلم أن بينهما رضاع، فيكون ذلك كله لها: دينه ونقده، كان أقل من مهرها أو أكثر. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه شرط حرام، فيبطل، وينفذ الخلع، ولا يجوز له أن يراجعها إلا بنكاح جديد، فإن ردها إليه على الشرط المذكور، كان الحكم في ذلك على ما ذكر، وقد مضى بيانه في رسم سن من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. .مسألة قالت لزوج ابنتها إنك مع ابنتي لعلى الحرام فقال لا: قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن النية التي ادعى محتملة، فوجب أن يصدق فيها مع يمينه، فإن لم يحلف طلقت عليه ثلاثا بمقتضى اللفظ إذا عري من النية؛ لأن قوله: شدي بها يديك، ولا تزوجيها إلا الخليفة، بمنزلة قوله: قد رددتها إليك، أو قد وهبتها إليك، فزوجيها الخليفة. .مسألة قال لامرأته بحضرة شهود هل لك عندي شيء: قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن المرأة طلبت من زوجها متاعا كان لها عنده بعد أن جرى بينهما ما ذكره، والزوج مقر لها به، إلا أنه يدعي أنه صار إليه بالمباراة، ولو جحد أن يكون لها عنده ذلك المتاع الذي طلبته منه، لصدق في ذلك دون يمين؛ لقولها: ليس لي عليك شيء، فلما كان الزوج مقرا لها بالمتاع، لم ينتقل ملكها عنه إلى الزوج بقولها: ليس لي عندك شيء؛ لأنه في ظاهره إخبار بكذب، إلا أن يتبين أنها أرادت أنها قد تركته له على وجه المباراة، فلذلك قالت: ليس لي عندك شيء، فلهذا قال مالك: يسأل الشهود الذين حضروا، فإن قالوا: الذي كنا نرى أنهما أرادا المباراة، جاز ذلك عليها، ولم يكن لها شيء، وإن قالوا: الذي كنا نرى أنهما لم يريدا وجه المباراة، أخذت متاعها، ولزم الزوج الطلاق. ورأى الأمر على ما وقع محمولا على المباراة إذا لم يتبين للشهود ما أراده، وذلك بين من قوله في آخر المسألة: إن الشهود إذا لم يشهدوا إلا على مقالتهما فلا شيء على الزوج، صحيح في المعنى أيضا؛ لأن سكوتها على قوله للشهود: اشهدوا أنها قد برئت مني، وبرئت منها، دليل على إقرارها بإرادة المباراة، وفي إعمال شهادة الشهود بما يظهر إليهم من قصد المشهود عليه وإرادته اختلاف أجازها هنا، وفي سماع أصبغ من كتاب التدبير، وزاد أصبغ: إن للشاهد أن يبث الشهادة بذلك، ولم يعملها في رسم الكبش من سماع يحيى، من كتاب الأيمان بالطلاق. .مسألة صالح امرأته بعد فطام ولده منها: قال محمد بن رشد: قد قال مالك في كتاب ابن المواز: إن ذلك يلزمها، ولا تنكح حتى تفطم ولدها مثل قول ابن نافع، ويأتي على معنى ما في المدونة من أن المرأة إذا آجرت نفسها ظئرا، فليس لها أن تتزوج، أنه ليس للمصالحة على رضاع ولدها أن تتزوج في الحولين، وإن لم يشترط ذلك عليها، وما في رسم الرهون من سماع عيسى من هذا الكتاب، أنه ينظر في ذلك، فإن كان لا يضر بالصبي، لم يحل بينها وبين التزويج قول رابع في المسألة، وإنما وقع الاختلاف في هذا لما يتقى من ضرر ذلك بالصبي، وما كانت العرب تعتقد من ذلك، حتى هم النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أن ينهى عن ذلك فقال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك، فلا يضر أولادهم شيء» وأما اشتراطه عليها ترك النكاح بعد مر الحولين قريبة أو بعيدة، فلا اختلاف في أن ذلك لا يلزمها، كما لا يلزم الزوج اشتراط ذلك عليه. .مسألة دعته امرأته إلى الخلع: قال محمد بن رشد: أما إذا خالعها واشترط أنها إن كانت حاملا فهي امرأته، فلا إشكال ولا اختلاف في أن الخلع واقع، والشرط باطل؛ لأنه شرط رجوعها إلى عصمته بعد أن بانت منه بغير ولي ولا صداق، وذلك ما لا يحل ولا يجوز. وقد مضى هذا المعنى في رسم سن، من سماع ابن القاسم، وأما إذا قال لها: قد خالعتك بكذا وكذا إن لم تكوني حاملا، فيلزمه الخلع، كانت حاملا أو غير حامل، على مذهب ابن القاسم، من رواية مالك في المدونة وغيرها في الذي يقول لامرأته: أنت طالق إن لم تكوني حاملا، أنها طالق مكانها، ولا يستأنى بها حتى ينظر، أبها حمل أم ليس بها حمل؟ ويأتي على مذهب سحنون الذي يرى أن ينتظر بها في الطلاق حتى يعرف إن كان بها حمل أم لا، أن ينتظر بها في الخلع أيضا، وبالله التوفيق. .مسألة صالح امرأته على أنها إن كان بها حمل فلا نفقة عليه: قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم البر من سماع ابن القاسم، من كتاب طلاق السنة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق. .مسألة يخالع امرأته فتحيض حيضة ثم ينكحها: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا دخل بها فلابد من استيئاف العدة من يوم طلقها مس أو لم يمس، فإن تصادقا على أنهما لم يمسا؛ لأنهما يتهمان على طرح العدة التي قد وجبت بظاهر الدخول، هذا منصوص في المدونة وغيرها. وأما إذا طلقها بعد أن نكحها، وقبل أن يدخل بها، فإنها تبنى على عدتها الأولى، إذ لا عدة لهذا الطلاق الثاني، فإن كان تزوجها بعد حيضة من يوم خالعها، ثم طلقها بعد أن حاضت حيضتين، فلا عدة عليها. وقد حلت كما قال، وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم سلعة سماها، من سماع ابن القاسم، من كتاب طلاق السنة، وبالله التوفيق.
|